الاثنين، 28 يونيو 2010

9/في النهاية هو مجرد كابوس حقيقة وحلم خيال ..!

أدخل بعدها في غيبوبة عن الوطن , كيف سأكتب عنه دون أن أخدشه , كيف يمكنني تجميله وتزينه , أحاول مرة أفلح ومرة أعجز , لكنه في النهاية لا يتعدى كونه مجرد حروف ..
يعيدني للواقع اتصال مها :
_ ألو ..
_هلا وغلا ..
_أهلين ..
_لا يكون أزعجتك ..
_لا عادي , باقي على وقت نومي الكثير ..
_بس كنت بذكرك " أبغى دفترك أصوره ضروري بكرة ..
_بس أنا يمكن أغيب ..
_أوف ليه بس / اسمعي أقلك أكلمك بعدين / سعود يتصل علي ..
_باي / باي ..
.
تمر دقيقتين أحاول الرجوع للمزاج المناسب للكتابة لأكمل الحديث عن وطني ..
يعاودني اتصال وأعلم جيداً أنها مها , فهي ستبقى كذلك إلى الغد ..
"هلا مها ..
_أهلين ..
"تخيلي سعود معصب , فتح تحقيق معي , من أكلم في هذا الوقت تخيلي في الآخر قفلت في وجهه ..
"مها / يمكن أنزعج من الانتظار بس ..لا تكبريها .
_حتى , ما يخصه , يعني زوجي ما يحق له أن يضعني في صندوق , هو يعرف أني وافقت عليه بس لأنه طالب علم , يعني أهدافي واضحة , ومعروف أني أخاف الله أكثر منه , أمتلك المراقبة الذاتية أكثر منه ..
"لا ما أعتقد أنه وصل للشك فيك , أعرف أنه مجرد انزعاج فقط..
_تعرفين أكثر شيء أقدره لعلم النفس " أنه جعلني أتعرف على تفكير وتصرفات سعود أكثر , يمكن أنا لا أجيد التعامل معها , لكني أعرفها حقاً ..
"يعين الله ..
_أعرفك بس تقولين يعين الله , هذا يعني أني أخذت من وقتك أكثر من اللازم , تضحك ثم تغلق الهاتف ..
.

أعتقد الجميع دخل علم النفس للبحث في حياة الآخرين والتنقل في أسرارهم بذكاء ورشاقة , لكني لم أدخل ذلك سوى لأني أبحث عن نفسي , أحاول معرفة ذاتي أكثر لأعرف كيف أتعامل معها لاحقاً , فهي في كل مرحلة تصعب علي أكثر , وتتعقد أمورها أكثر , ربما أنا الآن أفهمها جداً لكني أجهل التعامل معها كيف يكون , الطريقة السليمة لنتحد معاً دون خلافات , لكني أجد أن الأمر معقد ..
.
أف متى أتوقف عن التفكير , أحتاج أن أتنفس براحة أكثر , أود حقاً أن أدخل في سلام مع نفسي أولاً , ويغط عقلي في نوم عميق , دقائق فقط أتمنى ذلك , من غير أن أحلل العالم من حولي , وأقيم الناس وتصرفاتهم وهذا يستحق المراتب الأولى وهذا السفلى , أود أن يخرج هذا الحديث الصامت بصوت أعلى وبثقة حتى يصل , ولكن إلى من سيصل ..!
.
الواحدة بعد منتصف الليل , حيث موعدنا , هنا نلتقي , أشعر بذلك , وكأنك تفتح نافذة قلبك وأفتح نافذة عقلي , ونتشارك الحديث بلغة مغايرة تماماً لما يتحدث به الآخرون , لغتنا أنا وأنت , وأنت وأنا نقوم بتناغم مجنون في فعل الأشياء , كأن أضع أحمر الشفاه , وأنت مشغول بانتقاء عطر الليلة , أرفع خصلات شعري وأنت ترتب تسريحة تليق بشعرك , أرتب سريري وترفع أنت وسائدك , وفي نفس اللحظة نرفع المسجلة بصوت أبو نوره "هذا المساء للحب " ..
أتخيل شجاراتنا الأنيقة , كيف سترتفع أصواتنا فجأة ثم تخبو فجأة , أشيح بوجهي وتبتعد أنت , إلا نفحة من عطرك لا تزال تتسمر تراقب النجوم معي , ستجري بي رجفة وسأشعر بالوحدة , أبكي بعدها , أبكي بـ انهزام , لتفاجئني يديك تحضنني , تخبرني أنتِ لي , وأنا ما وجدتْ إلا لأكون لك ..
إلى هنا ينتهي حلم , كاد في فترة أن يتحقق , ابتسم وأنا أنظر لشاشة الهاتف وقد طبعت عليها لاشعورياً رقمك , تتحول ابتسامتي إلى شهقات , أكتمها بوسادتي عن تطفل الجميع , أشعر بالجوع لك , جوع يسري في كل مشاعري الباردة , أبكيك أنا كل ليلة , ويكويني الحنين لصوتك , أريده فقط لحظات , دقائق معدودات فقط يخبرني فيها أنك ميت فعلاً وأنه لا يمكن لك أن تعود , أن القبر لا يحوي أبراج للاتصال , أن الموت راحة إلا من الحنين إلي , أريد أن تطمئنني أنك تنتظرني في الحياة الآخرة , أن الجنان التي حوتك لن تنسيك حبي أبداً , فقط أخبرني أنك أنت من تطوف روحه حولي كل ليلة ..
وكلمة واحدة فقط يا عبد الله , أتلهف لسماعها منك " أحبك " ..

لأغمض بعدها عيني وأغيب في حلم آخر , أكثر واقعية من حياتي الآن ..
لحظات , أصحو بعدها بفزع أكبر , قلبي يكاد يخرج من الرعب , الخوف يأكلني كلي , "بسم الله / أعوذ بالله من الشيطان الرجيم / أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ..
يبدو أنها الليلة الثانية التي ستنتهي دون حتى غفوة , فقط الاغتسال يطيب روحي المتعبة , وكأن الكوابيس والعتمة والبكاء والحنين تتحلل وتنساب مع قطرات الماء , تزول عن آخرها ..


"يا رب , لا أعلم إن كان أحد يسمعني غيرك , أو يراني غيرك , ويعلم ما بي أكثر مني غيرك , لا أحد يا ربي سواك , قلبي متعب , وجسدي متعب , وحياتي كومة إرهاق وأرق , أنزل علي سكينة من رحمتك وطمأنينة تسكًن جسدي.."
"اللهم اغفر لأمواتنا , وأرحمهم , وتقبلهم عندك يا أكرم الأكرمين , يا رب أبدلني عن عبد الله بخير منه , وأبدله خيراً مني , وأجزل عليه رحماتك يا أرحم الراحمين "..

ويبدأ يوم وتنتهي أيام , والحال لا يزال متسمراً عند لحظة انتظار لشخص لا يمكن أن يأتي ..!

الأربعاء، 16 يونيو 2010

8/غربة !

وفي العتمة , يضيء تلفوني أكثر من مرة , النور مزعج , وأكثر إزعاجاً منه الإصرار على الاتصال , أوف عشر مكالمات , هذا رقم كبير ولم أعهده على هاتفي من قبل , أظنه أمر سوء , لكن الرقم غريب فعلاً علي , "تن تن " ( أنا رينو يا قلب , قلت أكيد نائمة في العسل , بس تصحين اتصلي بي , موا..) , يلتصق الإزعاج بملامحي وكأن القبلة آذت عيني ,ألمح الساعة , أكره هذا الوقت خاصة , الغروب لا صبح ولا ليل , حالة وسط والتقاء ضدين , فلو استيقظت قبله بدقائق فقط أو بعده لأختلف الأمر كلياً , ولأحتفظ مزاجي برونقه ..
أنزل السلم إلى حلبة النزاعات الأسرية , وعلى وجهي لوحة " ممنوع الاقتراب" , يلاحظن ذلك أخواتي فيغلقون كل نافذة للحديث معي حتى لو كانت "ناوليني الشاي" , أنظر لكل الأشياء من حولي بملل واشمئزاز , حتى الأكواب وطعم الشاي , وكذلك المسلسل المزعج بين أحضان الشاشة ..
اليوم لن يمر على خير , أعرف ذلك كلياً , فهو عندي يشبه قراءة الكف عند رانيا , أعرف من بداية كل يوم إلى ماذا ستؤول نهايته , لذلك أنا لست غاضبة مما حدث , لكنني غاضبة مسبقاً مما سيحدث , مثل أن تنفجر أنبوبة الغاز ونحترق , مثل أن يسقط المنزل على أيامنا فيه ونختفي , مثل أن أصاب بنوبة هستيريا وأقتل كل أفراد عائلتي الموقرة ولا أصحو إلا على الندم , أنا فعلاً قتلتهم في داخلي , لكنهم لا يزالون يحيونني في داخلهم كل مرة , لهذا السبب أنا أشعر بالسوء ..
السلام عليكم , يدخل محمد حاملاً حقائبه وثوب معلق و (شماغ) شبه جامد , يبستم لنا بسعادة المفاجأة ويكون الرد من أخوتي بالمثل , في حين أتقبله وأنا على يقين أن الشؤم اليوم سيكون لمحمد طرف فيه , بالكاد تقدمت حتى أرحب به , بلامبالاتي المعتادة .
نمارس دور عائلة لبضع ثواني , نجتمع ونتبادل الحديث عن الحال والأحوال , عن وقع المفاجأة طبعاً في الحضور اليوم الثلاثاء , الاستقبال بالقهوة والشاي أشياء تبالغ فيها أمي لأخوتي الذكور من غير الإناث , وأعقد في لحظتها مقارنة بين دخول أختي منيرة وبين دخول محمد , سواء لقلبي أو لقلب أمي , التضاد في كل شيء ..
_محمد , كيف جيت اليوم , ما عندك دوام الأربعاء ..؟!
*ليه ما تبغين أجي ..!!
_لا ليس كذلك , لكن فقط استغرب ..
* بس لا يكون خربت عليك أحد مخططاتك " ويبدأ يتحول لكائن آخر مملوء بالشك , فقط لكوني أنثى , أو لكوني أنثى مميزة , أو لكوني أنثى حرًة في داخلي ..
_هه , وكأن وجودك سيمنع حدوث ذلك ..
تلتمع عيناه بالغضب , تكاد ترمي بشرر , أعرفه تماماً , هو لن يفعل شيء أكثر من ذلك , ويحول الحديث ناحية أمي ..
*أمي , ما في أحد جاء يخطب , يتركنا نتنفس بعدها ..
_صدقني حتى أنا سأتنفس عندها ..
*نوف وبعدين , ما تستحين ترفعين صوتك على من هم أكبر منك ..
_أعتذر , يبدو أني في مزاج غير لائق بأي حديث من نوع " تحت لـ تحت " .
*قصدك ..
ابتسم على النتيجة التي وصلتها , فأنا الآن أضعه في حرب أمام نفسه , علم النفس شكراً لك , أنت تمنحني قوى خفية وأسلحة فتًاكة , تمنحني قراءة عميقة للتصرفات البشرية الخالصة , محمد للأسف أنت جداً مكشوف , ليت أني أمتلك منحك بعض الغموض والتخفي الذي يعج بي ..
تتدخل رشا بقوة لتغيير ما سيحدث من مشاجرة بعد , تحاول تلطيف الجو قدر الإمكان , أظن هذا دور خاص في كل آخر عنقود , الحفاظ بعد الأبوين بترابط الأسرة , أحاديثها متفرقة وغير مترابطة ..
هي تشعرني بفعلها الحسن المهذب بالذنب , أغادر إلى المطبخ ليس لأني أريد ولكن كونه أول باب مفتوح في وجهي , مثل حالنا الدائم , نسير في كل خياراتنا إلى الأبواب المفتوحة , العجز ربما ورما الخوف ..
يرن هاتفي , ليرد محمد " ماذا نوف .. طيب دقيقة .."
استلم منه الجهاز وكلي غضب ودماغي يفور , إنها رانيا بكل تأكيد , ففي الشهر المنصرم لم يستلم جوالي هذا العدد من المكالمات مثل اليوم ..
_ رانيا اعذريني سوف اتصل بك لاحقاً ..
.
_ من سمح لك ترد على الاتصال ..
*وجدته من غير اسم , ظننته مجرد إزعاج قلت أخلصك منه ..
_وهل خاب ظنك أن جاء الصوت ناعم ..
*نوف ..
_ مريض ..
.
ربما تكون الأحداث عادية وغالباً ما تحدث , لكن روحي اليوم منزعجة جداً حتى تكاد تنفجر , أغلق علي باب الغرفة , وأود أن أخبر كل من المنزل أني بالخارج أو الظهور دون اتصال أو حتى مشغول بهم وغم , أطفئ الأنوار , وأفتح شباكي على الطريق العام , أرقب الأنوار التي تتضائل تدريجياً حتى تختفي , العالم من حولي , الناس / العلاقات / الطرق والاتجاهات , وأكثر ما يشدني هو الانطلاق فحسب , الحرية المطلقة , عندما يختار السائق هدفه ويصل له ..
أريد أن ينبت لي جناحان وأغادر فوراً , أريد التحليق في الفضاء دون حدود , أريد أن أشق صدري وأخرج كل الأشياء السوداء المتعفنة فيه وأغسله بزمزم , أريد أن أعلق جلدي كل صباح للشمس تخترقه وتطهره ..
تنساب دمعة هادئة , تعلن انسحاب حالة مزاجية عكرة , على أحلام كبيرة تطل علي منكسرة , أتخطى الظلام حتى أصل المكتب أسمح للقليل من الضوء والذي يعينني على تتبع الكتابة , أكتب في حالة مزاجية معتمة , ونتيجة ذلك أنا لا أخرج دفاتري في النور , ولا أمنحها حق النشر , فما هي سوى حروف ملغمة , وحالة نفسية سوداء ..
أنتهي ..
وأعلم أن ثمًة انتهاء لا ينتهي ..
.
يطرق الباب ..
_أدخلي حلا ..
*كيف عرفتي أنها أنا ..؟
_الجني قال لي ..
*بسم الله , بصراحة أشك في ذلك وخاصة مع المناخ اللي صانعته , وتشعل الإضاءة
_تبدين حزينة ..
*تهز رأسها عن نعم ..
_الحزن موصل جيًد للصفاء , وأيضاً من دونه لن ندرك طعم الفرح ..
*تهز رأسها أخرى أن نعم ..
_يبدو أن شفيق أثًّر عليك ..!
*تهز رأسها أي نعم ..
نتضاحك بعدها ..
_ هاتي ..
تكاد تبكي وهي تخبرني أنها تأخرت في واجبها " التعبير" وأنها نسيت أن غداً آخر وقت للتسليم ..
_حسناً لست بحاجة لهذا الكم المرعب من الحزن , وكفي عن التمثيل , وهاتي الموضوع ..
تكاد تطير * عن الوطن ..
أتلعثم وهي تكمل بقيًة الشروط " في خمس صفحات , سطر ايه وسطر لا , بخط واضح , والغربة لا مانع من حشرها ..
أتمتم " الغربة هي الوطن "
.

الاثنين، 14 يونيو 2010

7/اسمي ..!

.
مستغرقة في التفكير كعادتي , أسير لا أعلم إلى أين , وحدها الاتجاهات من يحدد مسيري , وأحيان كثيرة تقودني الريح , والعطور التي تميل لعزلتي تسحبني معها كذلك , يوصد العقل الباب في وجه التفكير فجأة , عندما أسمع أحد ينادي بأعلى صوته " إنمآ آي " , في الحرم الجامعي يتردد هذا الاسم , يسحبني له , ويسحب الجميع من حولي لي , تسرع نحوي تبسم , ويبدو على وجهها الكثير من الفرح , مما جعلني أشك من أني أنا المقصود بهكذا فرح ..
*فعلاً الصدفة خير من ألف ميعاد ..
_هلا وغلا .." القبل الباردة دون حتى أن تلامس الخد كما جرت العادة " ..
*يبدو أن جدولك فارغ ..
_لا ولكن عندي ثالثة ..
*ترقب ساعتها اللامعة , جميل , معنا المزيد من الوقت قبل الثالثة , أنا أعزمك على كوب قهوة فاخر , سيزين نهارك متأكدة ..
_مسكتيني مع إيدي اللي بتوجعني (:
*اسبريسو ..!
_ أفضلها تركية سادة ..
*أوف يانهار مش فايت , منيح , وأهؤه فرصة أقرأ لك الفنجان أقصد الكوب الورقي , لكن هل قراءة الكوب الورقي تصح كما قراءة الفنجان الفخار ..!
_لا , أظن النتيجة تنحرف قليلاً , لكن تقارب لها ..
*الله يكفينا الانحراف وبلاويه ..
نتضاحك حتى اقتربنا من الطاولة , وبعدها شرعنا في الحديث عن أشياء لا أعلم كيف شرعنا في الحديث عنها , ولو ثمًة شريط مسجل لنا , لتأكدنا بعده أننا نعاني مشكلة ما , أظنها مشكلة الروابط في المواضيع , فمرة عن الأحلام وأخرى عن اليقظة , مرة عن البيت والخادمة , ومرة عن الرسم والفن التشكيلي , عن التصوير الضوئي ثم عن الرقص السعودي حتى أمتد الأمر إلى أن قامت فجأة وأمام الجميع تقلد رقصة تخصنا عنهم , البادية والحاضرة , هو كذلك , ولا يزال هذا التقسيم يسري في أوردة وطني مجرى إبليس , حتى الرقص ممكن أنه يرفع قوم عن آخرين , ممكن أن يربط ويفصل بين عائلتين ..!
_لكن تعلمين , أكيدة أن الرقص من كل الرقصات التي نعرفها براء , إلا من الرقص الشرقي ..
*يووووووو الرجال يحبوا هـ النوع من الرقص , يشبه الويسكي , يُذهب العقل ..
وقفت بعد كلماتها هذه وكلي مفاجأة , أحدهم صفعني الآن , وكأني بحديثي عن فن الرقص الشرقي أبدو ساقطة , على وجهي ملامح اقتضاب ..!
*اشبك !
_تذكرت موعد مهم , وعلي الانصراف له , بالأذن ..
*طيب بس عرفيني على اسمك , مو معقولة كل مرة أناديك "إنما آي دي " , وهاتي تلفونك ولا أنا مو أهل ثقة ..؟!
مرة أخرى الاسم والتلفون , أتذكر تحذيرات أمي وإنذارات أبي , أتذكر النقاط الهامة التي اسمعها كل يوم , أتذكر قصة الفتاة التي دست لأخرى هروين في وردة وأهدتها لها " لا أعلم حقيقة القصة كوني سمعتها من أبي وكأنه اختلقها ليخيفني" , وأقطع تفكيري بتحدي صريح وواضح وأمد لها ورقة على عجل عليها رقمي ..
_نوف , اسمي نوف , وأنت ..؟
*رانيا ..!
_عاشت الاسامي ..
ويمر يوم ممل , كما عادتي اليومية , في هدوء ورتابة , إلا من بعض صخب صنعته رانيا , بعض ألوان من تلك الألوان التي كانت تلبسها , الفوشيا+الأحمر+الأصفر+خطان أخضران على رمشها , هي مجموعة ألوان , تعجبني ضحكتها , أشعر أن كل ما بداخلها يضحك معها , معبأة على الآخر من أكسير الحياة , ذلك التركيب الذي تفتقر له روحي , إنما تأخذ منه كل يوم بقدر ما يجعلها على باب الحياة , لا تلج ولا تخرج , مثل رمادي كئيب فاقد هويته , لا أبيض ولا أسود , حقاً هذه البنت عجيبة , هي تجعلني أتحدث عنها مع نفسي في كل مرة أقابلها فيها , حقاً مبهجة ..
.
_ شفيق , ماما يبغى خضار مع فواكه , كمان جيك مويه كبير , وبعد صلاة عصر , أنت لازم غسيل هذا باب , وكنس حديقة ..معلوم ..
يهز شفيق رأسه , لا أعلم إن كانت نعم أو لا , مما يجعلني أعيد الكلام مرة وأخرى , وحتى لا أصاب بكدمة في رأسي فور العودة للبيت ..
البيت ..
_السلام عليكم ..
ولا اسمع أحد يرد سوى الخادمة , تهرول نحوي , تسحب الحقيبة والعباءة , ابتسم أن يكفي أن ترد السلام ..
أعد الدرجات إلى غرفتي , هي عشرون درجة , بل واحد وعشرون , أعتقد أني بحاجة لسحق هذا الواحد المربك إلى الأبد ..
وتعود التفاصيل لتنسخ ذاتها حتى القيلولة ..
بدون هواء تكييف طبعاً ..!
(:
.

السبت، 12 يونيو 2010

6/وحوش تترائى لي !!

الواحدة بعد منتصف الليل..!
لا أعلم حقيقة علاقتي بالنوم , لكنها تشبه خطان يسيران متوازيان لنفس الاتجاه , دون تقاطع ولو إغفاءة , فلا هو يفرض نفسه علي ولا أنا أرمي نفسي عليه , لكن هذا لا يشكل فارق لدي , فبنادول نايت يحل المعضلة ويجبرنا على التطابق , لكن في الواقع أنا أكره الخطوات إليه جداً , أشعر أني في هروب دائم ليس من النوم لكن كل ما يسبق النوم , مثل أن أرتدي بيجامتي وأفرش أسناني وأرفع شعري في ربطة , أسحب كتاباً من على الرف لأغفو عليه فقط , حتى الطريق الفاصل بين المكتب والسرير يربكني جداً , كأنه الطريق المؤدي للجحيم , ولا أظن أن أحد يملك أن يعجل السير نحو الهاوية , لكني في كل يوم أفعل ذلك , أقبل على السرير وأنا أتلفت للنافذة / للباب / للمكتب / الكتب / الدفاتر / حتى الأقلام , أستجديها كلها لتمسكني بها , لكن هي لا تفعل سوى الزيادة في دفعي للنوم , أنا لا أنام مثل البشر , بأعين وعقول مغمضة , أنا لا أصحو إلا وقت نومي , تتجلَّى لي الحوادث والأحاديث والعلاقات والناس وحتى إبليس بمجرد أغمض طرفي , لا أعلم إن كنت أملك نبوءة أو لعنة أو أن أحدهم دعا علي , لكن هذا الشيء بحد ذاته مزعج , فأجمل ما في الغيب أنه يحدث فجأة دون تخطيط وتدبير , هكذا يقع , ولا أعلم لما يتوارد على ذهني دعوات جدتي لي كل مساء " الله يابنتي ينور بصيرتك " , حتى أن القلوب بدت تتكشف لي , والمشاعر المخبأة تخرج للعيان , الكلمات الكاذبة تتضح لي باهتزازها والصادقة بدفئها , الأسئلة إن كانت فضول أو اهتمام حقيقي , مزعج جداً أن تعلم كل ملامح من هم حولك , بذلك أنت تفقد الدهشة دفعة واحدة , مجرد نظرة كفيلة بقتل كل مفاجأة كانت لك , لكن لثلاث سنوات متتالية , وشعور غامض يسيطر علي كلياً , إحساس مجنون أجهل هويته , روح تسحبني بقوة , أتحسس صدري ولا أرى أي خيطاً فضياً مثبت في قلبي يسحبني لها , وكل ذلك يندفع من السرير , لطالما رددت بعد الرضوخ له ( الليلة إحساسي غريب عاشق ولا لي حبيب ) , أبكي , أنا كل ليلة أبكي , في سريري يتربص بي حنين , أجهل لمن ! , لكنه مؤلم ويقضمني حتى آخري , كنت أشعر بالسوء تجاه روحي السيئة والتي تزداد ظلمة يوماً بعد آخر , كنت أول ما أفعله كل صباح التوبة , أعرف أن ذنباً يسكن جسدي , يجب أن أغتسل منه كل صباح , أتطهر , أو هذا كله ليس سوى نتيجة حتمية لتخرجي من مدرسة صارمة ومعلمات يخوفنني من الله أكثر من أن يقربنني منه , أحاول التفسير في كل يوم بطريقة مغايرة , هناك سبب ومسبب , لكن لم أصل لهم بعد , وهذا يوم آخر يبدأ بالتفكير في التكفير عن أي ذنب ربما اقترفته وأنا أحلم , أرتب حقيبتي وأحاول ترتيب أفكاري فيها , فرأسي ليست حقيبة آمنه للحفاظ على أشياء ثمينة مثل طلب الطلاق من القمر , أو إيقاف المد والجزر عن اللعب , أو الصراخ بدون صوت , مثل تذوق السحاب , أو لوم فصل الصيف , حقاً هو الصيف من يفعل بي هذا كل ليلة , فعندما يجمد الشتاء مشاعري ونبضي لنصف سنة , يذوب الجليد في النصف الآخر منها بفعل الصيف , فتبرز أحاسيسي بفرحة البعث من بعد الموت , فتصاب في عقلها وتجن , الصيف , فصل العلاقات الخاطئة و الأعراس الفاشلة و الكثير من الارتباط الواهن ..
تباً لك إذن ..
_الله يذكرك يا أم رانية بالخير , أسئلة كثيرة تنخرني ولكن لا أملك الجرأة على التفوه بها , ولا أحد أظنه يملك الجرأة اللازمة للإجابة عنها , فنحن هنا لسنا عائلة لكن نقترب منها ..
صوت أمي ينتشر كالنار ..
_ ساعة جالسة قدام المرآة , لو كان بيدها كان هربت , المسكينة , عليها أن تبدأ صباحها بوجهك كل يوم , أشعر بالأسى لها ..
_ أمي الرحوم أنطقها بشفاه تعوج " وأُكمل رسم العين بلون أزرق خفيف " ..
_ خلاص / تحسبين نفسك عروس , هي جامعة ودراسة مو حفلة ..
أفقد الرغبة بسرعة في إكمال الزينة الواجبة , وليست الزينة المتكلفة , أضع بقية الأدوات في الحقيبة , سأكمل هناك , كادت تخرج مني أُف لأعالجها بقوله تعالى ( ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما ) .
_ بسم الله / شعرك ..!
_ ( يا ربي متى تتوقف أمي عن وضعي تحت المجهر , بعض الحرية وسأكون بخير , فقط اليوم ).
العباءة / النظارة / العطر والهاتف , كلها تتشبث بيدي , تخاف السقوط وأسقط أنا ( آي ) ..
_ الله لا يعمينا , تكملها أختي بضحكة ..
لازلت أنزل درجة , درجة , يلزمني النزول أكثر حتى أصلها , حتى لو سقطت لازلت في الأعلى , أنظر لها بدونية وأبتسم , أنا من يحق لي ابتسم ..
يتسلم أبي زمام الحديث , ليقول ما يقوله كل صباح طيلة سنواتي العشرين ..
الأشياء في عائلتنا ليست روتينية فقط , بل تخطت حدود الروتين لما هو أبعد منه , لدرجة الروتين الذي يمل منه الروتين نفسه , يكفي , لنتوقف في لحظة عن التكرار ..
حتى نكات أبي ما عادت نكات إنها تشبه محفوظات يختار كل يوم وقت الغروب ليفسده بها , ولعنات أمي أُسمعها كل يوم , أكثر من اسمي , ونظرات وهمزات أختي أقلدها بدقة " أفْ..
عائلة مكررة جداً ..
هه , حتى أنا وحديثي الصامت هذا شيء مكرر ولا جديد فيه ..
.
أفيق على نغمة السيارة " طاااط " , يبدو أن استغرقت في التفكير , لأفتح عيني وأنا لازلت أمسك بمقبض باب السيارة منذ خروجي دون الولوج لها , يبدو أن أفكاري فقط هي من ركب ..
(بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى الله ربنا توكلنا ) .
.

الأحد، 6 يونيو 2010

5/ضميري مزعج !

.
أتنفس الكون دفعة واحدة في السيارة , الطريق طويل , والتفكير به أطول , هذا يعني الكثير من الخيالات و الأحاديث الصامتة , في هذه الدقائق فقط أنا أُحدث نفسي بصوت رخيم مملوء عطف , الأحاديث الصامتة " الكلام الذي ينبع منك ولك , مثل أن تحصد نجاحك اليوم , مثل أن تعد خيباتك اليوم كم , كما لو أنك تراجع ساعاتك , لا أعلم إن كان الجميع يملك هذه الأحاديث أو يستلذ بها , وما يهمني هنا سوى أني "يآه كم أحبها" , ومن هنا أستغرب جداً الإصرار على قيادة المرأة , فلو كنت أنا من يقود الآن لحصلت كوارث طبيعة بالكيلو , فأنا غارقة في خيالاتي للدرجة التي من الممكن أنها تشدني لجبل تثير فضولي قمته / أو وادي سحيق يسحبني لهوته , مثل أن أتوقف فجأة لأني فجأة مللت , أو أركن السيارة ثم أتابع التحليق في خيالاتي سيراً على الأقدام , أو أني أضيع وهذا وارد , فأنا أضيع في منزلنا فما بال ألف طريق وطريق , كيف ضيعت البوصلة , ثم انتهى وقود السيارة , جف الماء , ثم ترجلت للمسير في طريق صحراوي مميت , تتمزق ملابسي , ويشتد الجوع بي والعطش , فأصرخ بملء عطشي " مااااااااااء " , يلتفت السائق نحوي بقوة والتفت نحوي بقوة أيضاً , " تبغى ماء " , كتمت في صدري ضحكة وأنا أخبره " لا " ..
كان كابوس يا شفيق , بل هو صدى لصوت فكرة , عاد كفاجعة , هل تعرف أنًّا نمارس نصف أوقاتنا في خلق فكرة والنصف الآخر في مطاردتها , بعضها يركض لأعلى والبعض لأسفل , البعض يسابق الرياح والآخر يتهادى , المشكلة كلها تكمن في الرأس , ولا أعتقد أنك تواجه مشكلة من هذا النوع يا شفيق , ربما هز رأسك بين الثانية وأختها يخفف من خلق الأفكار , بل أشك أنه سبب رئيسي في طرد بعضها جهة اليمين والبعض الآخر شمال ..
.
بلد البترول تغرق في الفوضى , لا جديد في انقطاع التيار , فهو يختار وقته بعناية فائقة , ليستقبلك فور العودة ..
وما إن خلعت عباءتي , حتى تلبسني الضمير , " يا مغرورة , يا بشريه , كانت ودودة معك جداً فكيف تمنعينها الرقم ..." , حسناً سأذهب أشرب كأس ماء إلى حين تنهي كلامك , كأس ماء وآخر ,وهو لم يمل بعد لا يزال يصور الجريمة التي اقترفتها بكل أبعادها , ليس حتى لا أقع فيها مرة أخرى , ولكن لأني في مزاج سيء وهو يريد المزاج الأسوأ " يا ضمير يا نفس لوَّامة , أنا أحاول أتخفف من البشر , أفهم..!"
صوت أمي يأتي من بعيد " تكلميني ..!"
يبدو أني أخطو خطوات واضحة للجنون " أمي أنا فقط أتحدث بالهاتف " .
أفتح كفي , تبدو خطوطها واضحة , الشمس والقمر وماحولها , اضم كفي وابتسم , هي ابتسامة لها , ولا أعلم إن كانت ستعلم عنها شيئاً , ولا أعلم إن كانت ابتسامتي عن طيب خاطر أم مجرد إسكات للضمير الذي لايزال يتكلم بصوت خافت ويعيد الكلمات كثانية في الدقيقة ..