الأربعاء، 16 يونيو 2010

8/غربة !

وفي العتمة , يضيء تلفوني أكثر من مرة , النور مزعج , وأكثر إزعاجاً منه الإصرار على الاتصال , أوف عشر مكالمات , هذا رقم كبير ولم أعهده على هاتفي من قبل , أظنه أمر سوء , لكن الرقم غريب فعلاً علي , "تن تن " ( أنا رينو يا قلب , قلت أكيد نائمة في العسل , بس تصحين اتصلي بي , موا..) , يلتصق الإزعاج بملامحي وكأن القبلة آذت عيني ,ألمح الساعة , أكره هذا الوقت خاصة , الغروب لا صبح ولا ليل , حالة وسط والتقاء ضدين , فلو استيقظت قبله بدقائق فقط أو بعده لأختلف الأمر كلياً , ولأحتفظ مزاجي برونقه ..
أنزل السلم إلى حلبة النزاعات الأسرية , وعلى وجهي لوحة " ممنوع الاقتراب" , يلاحظن ذلك أخواتي فيغلقون كل نافذة للحديث معي حتى لو كانت "ناوليني الشاي" , أنظر لكل الأشياء من حولي بملل واشمئزاز , حتى الأكواب وطعم الشاي , وكذلك المسلسل المزعج بين أحضان الشاشة ..
اليوم لن يمر على خير , أعرف ذلك كلياً , فهو عندي يشبه قراءة الكف عند رانيا , أعرف من بداية كل يوم إلى ماذا ستؤول نهايته , لذلك أنا لست غاضبة مما حدث , لكنني غاضبة مسبقاً مما سيحدث , مثل أن تنفجر أنبوبة الغاز ونحترق , مثل أن يسقط المنزل على أيامنا فيه ونختفي , مثل أن أصاب بنوبة هستيريا وأقتل كل أفراد عائلتي الموقرة ولا أصحو إلا على الندم , أنا فعلاً قتلتهم في داخلي , لكنهم لا يزالون يحيونني في داخلهم كل مرة , لهذا السبب أنا أشعر بالسوء ..
السلام عليكم , يدخل محمد حاملاً حقائبه وثوب معلق و (شماغ) شبه جامد , يبستم لنا بسعادة المفاجأة ويكون الرد من أخوتي بالمثل , في حين أتقبله وأنا على يقين أن الشؤم اليوم سيكون لمحمد طرف فيه , بالكاد تقدمت حتى أرحب به , بلامبالاتي المعتادة .
نمارس دور عائلة لبضع ثواني , نجتمع ونتبادل الحديث عن الحال والأحوال , عن وقع المفاجأة طبعاً في الحضور اليوم الثلاثاء , الاستقبال بالقهوة والشاي أشياء تبالغ فيها أمي لأخوتي الذكور من غير الإناث , وأعقد في لحظتها مقارنة بين دخول أختي منيرة وبين دخول محمد , سواء لقلبي أو لقلب أمي , التضاد في كل شيء ..
_محمد , كيف جيت اليوم , ما عندك دوام الأربعاء ..؟!
*ليه ما تبغين أجي ..!!
_لا ليس كذلك , لكن فقط استغرب ..
* بس لا يكون خربت عليك أحد مخططاتك " ويبدأ يتحول لكائن آخر مملوء بالشك , فقط لكوني أنثى , أو لكوني أنثى مميزة , أو لكوني أنثى حرًة في داخلي ..
_هه , وكأن وجودك سيمنع حدوث ذلك ..
تلتمع عيناه بالغضب , تكاد ترمي بشرر , أعرفه تماماً , هو لن يفعل شيء أكثر من ذلك , ويحول الحديث ناحية أمي ..
*أمي , ما في أحد جاء يخطب , يتركنا نتنفس بعدها ..
_صدقني حتى أنا سأتنفس عندها ..
*نوف وبعدين , ما تستحين ترفعين صوتك على من هم أكبر منك ..
_أعتذر , يبدو أني في مزاج غير لائق بأي حديث من نوع " تحت لـ تحت " .
*قصدك ..
ابتسم على النتيجة التي وصلتها , فأنا الآن أضعه في حرب أمام نفسه , علم النفس شكراً لك , أنت تمنحني قوى خفية وأسلحة فتًاكة , تمنحني قراءة عميقة للتصرفات البشرية الخالصة , محمد للأسف أنت جداً مكشوف , ليت أني أمتلك منحك بعض الغموض والتخفي الذي يعج بي ..
تتدخل رشا بقوة لتغيير ما سيحدث من مشاجرة بعد , تحاول تلطيف الجو قدر الإمكان , أظن هذا دور خاص في كل آخر عنقود , الحفاظ بعد الأبوين بترابط الأسرة , أحاديثها متفرقة وغير مترابطة ..
هي تشعرني بفعلها الحسن المهذب بالذنب , أغادر إلى المطبخ ليس لأني أريد ولكن كونه أول باب مفتوح في وجهي , مثل حالنا الدائم , نسير في كل خياراتنا إلى الأبواب المفتوحة , العجز ربما ورما الخوف ..
يرن هاتفي , ليرد محمد " ماذا نوف .. طيب دقيقة .."
استلم منه الجهاز وكلي غضب ودماغي يفور , إنها رانيا بكل تأكيد , ففي الشهر المنصرم لم يستلم جوالي هذا العدد من المكالمات مثل اليوم ..
_ رانيا اعذريني سوف اتصل بك لاحقاً ..
.
_ من سمح لك ترد على الاتصال ..
*وجدته من غير اسم , ظننته مجرد إزعاج قلت أخلصك منه ..
_وهل خاب ظنك أن جاء الصوت ناعم ..
*نوف ..
_ مريض ..
.
ربما تكون الأحداث عادية وغالباً ما تحدث , لكن روحي اليوم منزعجة جداً حتى تكاد تنفجر , أغلق علي باب الغرفة , وأود أن أخبر كل من المنزل أني بالخارج أو الظهور دون اتصال أو حتى مشغول بهم وغم , أطفئ الأنوار , وأفتح شباكي على الطريق العام , أرقب الأنوار التي تتضائل تدريجياً حتى تختفي , العالم من حولي , الناس / العلاقات / الطرق والاتجاهات , وأكثر ما يشدني هو الانطلاق فحسب , الحرية المطلقة , عندما يختار السائق هدفه ويصل له ..
أريد أن ينبت لي جناحان وأغادر فوراً , أريد التحليق في الفضاء دون حدود , أريد أن أشق صدري وأخرج كل الأشياء السوداء المتعفنة فيه وأغسله بزمزم , أريد أن أعلق جلدي كل صباح للشمس تخترقه وتطهره ..
تنساب دمعة هادئة , تعلن انسحاب حالة مزاجية عكرة , على أحلام كبيرة تطل علي منكسرة , أتخطى الظلام حتى أصل المكتب أسمح للقليل من الضوء والذي يعينني على تتبع الكتابة , أكتب في حالة مزاجية معتمة , ونتيجة ذلك أنا لا أخرج دفاتري في النور , ولا أمنحها حق النشر , فما هي سوى حروف ملغمة , وحالة نفسية سوداء ..
أنتهي ..
وأعلم أن ثمًة انتهاء لا ينتهي ..
.
يطرق الباب ..
_أدخلي حلا ..
*كيف عرفتي أنها أنا ..؟
_الجني قال لي ..
*بسم الله , بصراحة أشك في ذلك وخاصة مع المناخ اللي صانعته , وتشعل الإضاءة
_تبدين حزينة ..
*تهز رأسها عن نعم ..
_الحزن موصل جيًد للصفاء , وأيضاً من دونه لن ندرك طعم الفرح ..
*تهز رأسها أخرى أن نعم ..
_يبدو أن شفيق أثًّر عليك ..!
*تهز رأسها أي نعم ..
نتضاحك بعدها ..
_ هاتي ..
تكاد تبكي وهي تخبرني أنها تأخرت في واجبها " التعبير" وأنها نسيت أن غداً آخر وقت للتسليم ..
_حسناً لست بحاجة لهذا الكم المرعب من الحزن , وكفي عن التمثيل , وهاتي الموضوع ..
تكاد تطير * عن الوطن ..
أتلعثم وهي تكمل بقيًة الشروط " في خمس صفحات , سطر ايه وسطر لا , بخط واضح , والغربة لا مانع من حشرها ..
أتمتم " الغربة هي الوطن "
.

هناك 8 تعليقات:

صالح خضر يقول...

كلماتك لا تُقرأ إلا وفنجان قهوة بجانبها ..

لي عودة .. قريبا ..

كوني بخير

أنا^_^ يقول...

قصتك تميل للواقعية كثير من البيوت تعاني ذات الوضع

الغريب والذي لا استوعبه شخصية رانيا هي اجتماعية درجة اولى وشخصية لا تعترف بالحدود تقتحم عالم الانسان دون ان تدع له مجالا للاختيار لكن هذا النوع من الشخصيات يصر على هذا العدد من المكالمات بعد يومين؟؟؟ اعتقد حبايبها كثار هذا الاسلوب اشوفه مرعب ^_^<< اظن من جبني الظاهر ذي البنت عندها مصلحة خخخخ لا يكون نوف واسطتها كبيرة

محمد علاقته ببقية اخواته جيدة غريب تركيز العداوة على نوف حتى الحوار ما قدرت اكره محمد لكن الصبر طيب ومن الخطأ احكم عليه من اول ظهور صح؟؟

تعجبني طريقتك في جعلنا نتعرف على افراد العائلة بالتدريج

المناخ في بيت نوف معتدل عائلة تجتمع كل يوم ومحادثات وفلة وشاي وقهوة غريب اقتناع نوف بان العيب فيهم

انا بدأت اقتنع انها من النوع الملول الحاقد على الدنيا هذا النوع اللي مايمنعه ينتحر الا الخوف من الله

يعجبني في قصتك دمج الاسلوب الادبي بدون اسراف وهذا انت تتقنيه
والتعليق على مشاكل الاسرة والشعب -س تكفين لا تكثري عن المجتمع تصير القصة كئييييييييييييبة-

ولا يعجبني قلة الطرافة فيها بالرغم من هزة راس شفيق لكن ما زالت كابة نوف هي المسيطرة على القصة

صحيح حتى لا ارجع في رد ثاني اعجبتني فقرة نتجه للأبواب المفتوحه فيهاتميز

من الممتع انك اصبحت تكتبي اكثر و لم نعد نضطر للانتظار بين الاجزاء حتى ننسى الاحداث<< مبالغة :)

اذا طلع الرد مرتين الله يسعدك احذفي واحد بلاش فضايح :) لكن كل مرة اضيف يعلق معاي وبما ان كلامي كثير يعز علي يضيع

just freedom freedom يقول...

اريد ان تنبت لي جناحان فأطير

اريد ان اطير بعيدا عن وطن يرد به الاخو على مكالماتي ليوقف المزعجين عند حدهم

وكاني انا لاشي ولا استطيع ان ادافع عن خصوصيتي واوقفهم انا عند حدهم!!

بعيدا عن وطن تتشبث به الام بالاولاد

وتريد بااقصى مشاعرها الفكه من بناتها
بعيدا عن كىبة هذا المجتمع الذكوري

ابدعت لماذا تحتفظين بكتاباتك بالظلام
انشريها لعلك تهزين فيهم شي
ويستيقظون من سباتهم العميق


ابدعتي صراحه

خاتون يقول...

ما شاء الله
عمق في وصف المشاعر و ذكاء خارق في الكتابة
لكِ مستقبل باهر
اعجبني كثيرا ما قرأت
شخصية هذه الفتاة تمر علينا و لكنني هنا رأيت لها بعد أخر
شكرا واصلي الكتابة
و أنا بانتظار المزيد
موفقة ^_^

جليد الصمت يقول...

اتعلمين

مصدومة بكمية الصدق والشفافية التى اقرائها

اتعلمين لااعلم حتى ماذا يجب على ان اعلق ولاكنك فعلا مبدعه شفافه صااااااااااااااادقه

تقبلى منى مرورى الاول وابدا لن يكون الاخير

لك تحياتى القلبيه

محمد سعد القويري يقول...

الأخت الفاضلة :: إنما آي ::
أسعد الله صباحك بكل خير
ثم
جميل هو أسلوبك ووصفك الكتابي ..

فأحرفك تحولت إلى صور أمام ناظري ..

أطيب الأمنيات

المقام الأسمى يقول...

.
يا أختي مدري ليش
أحس أني أعرفك
.

إنما آي ! يقول...

أهلاً بالجميع ..
ولا أظن أني أعرف أحد ولا أن أحد يعرفني , فأنا في زجاجة ولازلت ..

.

يسعدني أن تكونوا هنا ..شهداء على نماء رواية وعلى تطورها ..

.